لا شك إن تعيين موظف جديد يعد قرارًا مهمًا وحيويًا في كل منشأة، فكل عنصر في دورة العمل يمكن أن يعزز من هذه الدورة أو أن يضعفها. يمكن لقرار التوظيف الخاطئ أن يكلف المنشآت أكثر بكثير من مجرد خسارة موظف، فعنصر واحد غير مناسب يمكن أن يفسد بيئة العمل ويسمم ثقافة المنشأة بالكامل.

بالإضافة إلى الإجراءات المعتادة مثل فحص السيرة الذاتية، مقابلات العمل واختبارات ما قبل التوظيف، أصبح من الضروري إجراء المزيد من إجراءات الفحص لتعزيز جودة قرار التوظيف، وتجنب إهدار الوقت والخسائر التي قد تكون كارثية.

في هذا المقال نتعرف على فحص التوظيف، أو بالأحرى فحص ما قبل التوظيف، تعريفه، تاريخه، أنواعه، أهمية وعيوب كل نوع.

المحتويات:

ما هو فحص التوظيف؟

هي سلسلة من عمليات التحقق والاستقصاءات التي يجريها صاحب العمل حول المرشح بعد تقديم عرض عمل مشروط. والغرض منها هو تأكيد دقة المعلومات التي يقدمها المرشح في سيرته الذاتية وأثناء مقابلة التوظيف، وتقييم أي مخاطر محتملة قد يشكلها توظيف ذلك المرشح على الشركة. يمكن القول بعبارة أخرى أن فحص التوظيف يتضمن مراجعة التاريخ المهني والشخصي (المتعلق بالعمل) للمرشح، بما يتضمن السجل الجنائي، واستطلاع رأي أصحاب العمل والزملاء السابقين، وتحليل المخدرات وغير ذلك.

لمحة تاريخية عن فحص التوظيف

ما قبل القرن العشرين كانت الإحالات الشخصية هي المصدر الوحيد للتحقق من خلفية المرشحين للعمل، لم يكن بمقدور أصحاب الأعمال أكثر من الاستفسار عن المرشح بين دوائره الشخصية القريبة ومن يعرفونه من الجيران والأقارب، أو أحيانًا أصحاب العمل السابقين. وبطبيعة الحال كان الأمر يتم بشكل شفاهي وأقل رسمية.

خلال القرن العشرين، وحتى منتصفه على وجه التقريب، كانت خطابات التوصية وخطابات الشكر الصادرة من جهات العمل السابقة قد أصبحت مرجعًا إضافيًا للتحقق من خلفية المرشح للعمل قبل توظيفه.

لاحقًا، ومع التطور التكنولوجي المتسارع أصبح بالإمكان التحقق من السجل الجنائي للمرشح والتأكد من عدم وجود سوابق إجرامية له. وأصبح طلب مستند رسمي حول السجل الجنائي للمرشح عادة شائعة، بل وضرورة أحيانًا في المنشآت الكبرى والحكومية.

ثم اتسعت رقعة الخيارات التي توفرها التقنية، فأصبح من الممكن الحصول على بيانات أخرى من شأنها إيضاح الصورة بشكل كبير حول خلفية المرشح ومدى ملاءمته لثقافة مكان عمله الجديد ومتطلباته.

لماذا يجب إجراء فحص التوظيف؟

هناك عدة أسباب تجعلك تجري فحوصات ما قبل التوظيف على المرشحين المحتملين. تحتاج المنشآت إلى التحقق من أنها توظف أشخاصًا جديرين بالثقة، بالإضافة إلى حماية سمعة المنشأة، وتخفيف مخاطر المسؤولية عن أفعال الموظفين.

توفر فحوص ما قبل التوظيف المزايا التالية لأصحاب العمل:

  • تساعد على ضمان اتخاذ قرارات توظيف أكثر استنارة.
  • تساعد على ضمان تأهيل المرشحين الذين توظفهم تأهيلا كاملا
  • حماية المنشأة من مخاطر المسؤولية
  • الحفاظ على سلامة الموظفين والعملاء، فضلًا عن أصول وممتلكات المنشأة.

أنواع فحوصات ما قبل التوظيف

فحص إثبات الهوية الشخصية

ربما يدهشك هذا النوع، كونه بديهيًا للغاية، ولكنه ضروري جدًا في الحقيقة. إذ ينبغي التحقق من الإثبات الرسمي لهوية المرشح وأهليته للعمل. تدل الهوية الرسمية على أن الشخص له حق العمل داخل البلد كونه من مواطنيها، وإن لم يكن فينبغي أن يكون مقيمًا بصفة رسمية تسمح له بالعمل داخل البلاد. قد يتطلب الأمر فحص صلاحية المرشح للعمل عبر منصة "قوى".

كذلك تشير الهوية الرسمية إلى عمر المرشح، حيث تتطلب أغلب قوانين العمل حول العالم حدًا أدنى للسن القانوني المسموح له بالعمل داخل البلاد.

فحص الحالة الجنائية

يتطلب التصريح للشخص بالعمل عادة إحضار مستخرج جديد من صحيفة الحالة الجنائية، وهي شهادة تصدرها وزارة الداخلية بناء على فحص بصمات الأصابع للمرشح، وتفيد بكونه غير مطلوب جنائيًا وليس لديه سوابق، أو غير ذلك.

يفيد فحص الحالة الجنائية في التأكد من عدم توظيف أشخاص خطرين، بما يضمن حسن سير وسلوك موظفيك بشكل كبير ويعفي المنشأة من تحمل أية تبعات قد تترتب على توظيف شخص لديه سوابق إجرامية أو مطلوب لجهات أمنية ما.

كذلك قد يكون مطلوبًا من المرشح الذي يحمل جنسية أخرى إحضار مستخرج مماثل من بلد مواطنته، وبفضل التكنولوجيا الحديثة أصبح ذلك متاحًا في أغلب سفارات دول العالم العاملة في المملكة العربية السعودية.

يعد فحص السجل الجنائي للمرشح ضرورة قصوى في كثير من الوظائف ذات الحساسية العالية، أو التي تتطلب التعامل مع مبالغ مالية كبيرة مثل قطاع البنوك، أو التي تتضمن التعامل مع الأطفال والقُصَّر.

المزايا: يوفر فحص الحالة الجنائية نوعًا من الضمانة الأمنية لعدم وجود شائبة إجرامية في سجل الموظف يمكن أن تنعكس على سلوكه داخل العمل، أو تؤثر على سمعة المنشأة.

العيوب: قد يشكل فحص الحالة الجنائية عائقًا أمام الأفراد الذين لهم سجل إجرامي سابق وقرروا تصحيح مسار حياتهم بعيدًا عن حياة الجريمة.

فحص التاريخ المهني

يعد فحص التاريخ المهني، من خلال مراجعة جهات العمل السابقة للمرشح، سواء من الرؤساء أو الزملاء أو حتى المرؤوسين ضروريًا في كثير من أنواع الوظائف، وخاصة التي تتطلب التعامل مع الآخرين بشكل مكثف، سواء داخل المنشأة أو خارجها، مثل وظائف المبيعات والتعليم والموارد البشرية. في كثير من الأحيان تشترط بعض جهات العمل توفير عدد معين من تفاصيل الأشخاص الذين يمكن الرجوع إليهم من جهات عمل الموظف السابقة.

يمكن أن يتم الاستعلام عن تاريخ الموظف المهني عن طريق الهاتف، أو من خلال نموذج يتم إعداده لهذ الغرض، سواء كنموذج ورقي أو إلكتروني.

يتضمن نموذج الاستعلام عن المرشح لغرض فحص التاريخ المهني أسئلة محددة حول سلوك المرشح في العمل، وتطلب من ممثل جهة العمل السابقة الإجابة عن تلك الأسئلة، سواء بإعطاء درجة لكل سؤال، أو بالإجابة النصية.

يمكن أن يتضمن النموذج أسئلة عن معدل التغيب وتقييم انتظام الحضور، تقييم إدارة الوقت، احترام الزملاء، التعاون وروح الفريق، التعامل مع ضغوط العمل، وغير ذلك.

المزايا: يوفر رؤية جيدة حول أداء المرشح فعليًا على أرض الواقع من خلال تجارب العمل السابقة، والتحقق من صحة محتويات السير الذاتية.

العيوب: يمكن أن تكون آراء المقيم متحيزة ضد المرشح أو لصالحه تبعًا لمستوى علاقته الشخصية بالمسؤول المخاطب بالاستعلام عن التاريخ المهني.

فحص التاريخ الائتماني

يقصد بفحص التاريخ الائتماني تقديم إفادة من البنوك التي لدى المرشح حسابات فيها حول مديونياته للبنوك، مدى انتظامه في سداد بطاقات الائتمان أو أقساط القروض، وما إلى ذلك، وقد يتطلب الفحص أيضًا مراجعة كشوف الحسابات البنكية الخاصة بالمرشح لفترة زمنية ما.. قد يُعد فحص التاريخ الائتماني نوعًا من التدخل في الحياة الخاصة للمرشح، إلا إنه قد يكون ضروريًا في بعض الوظائف التي يكون الموظف فيها مسؤولًا عن تعاملات مالية.

يمكن أن يكون فحص التاريخ الائتماني مؤشرًا على مدى تصرف الشخص بمسؤولية، وكذلك قد يكشف بعض الممارسات التي يمكن أن تكون مقلقة لجهات العمل، مثل الاستدانة المفرطة أو الإنفاق غير الرشيد أو حتى المقامرة.

المميزات: يوفر نوعًا من الطمأنينة حول قدرة الشخص على إجراء تعاملات مالية بشكل أمين ونزيه.

العيوب: قد يشكل انتهاكًا لخصوصية المرشح، كما أن بعض البنوك قد ترفض الإفصاح عن بيانات تفصيلية من هذا النوع لأغراض سرية بيانات العملاء.

تدقيق الدرجات العلمية

يعد تدقيق الدرجات العلمية عملية إلزامية في قطاع الوظائف الطبية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، للحصول على تراخيص مزاولة المهنة. يتم ذلك عادة من خلال مؤسسات دولية محايدة ومعتمدة لدى الجهات الرسمية بالدولة، حيث يُطلب من المرشح إرسال المستندات الدالة على درجاته العلمية ذات الصلة إلى تلك المؤسسات الدولية، التي تتولى تدقيقها وفحصها واعتماد صحتها (من عدمه).

المزايا: يتيح للمنشآت التحقق من صحة المؤهلات العلمية في الوظائف ذات الحساسية المهنية العالية والتي لا يمكن مزاولتها بشكل صحيح دون مؤهل علمي ذو صلة، مما يمنع احتمالات قبول مرشحين ذوي مؤهلات مزورة أو ملفقة أو متلاعب بها.

العيوب: تكلفة تدقيق الشهادات من خلال مؤسسات دولية يكون مرتفعًا للغاية، ويستغرق وقتًا طويلًا

تحليل المخدرات

يعتبر إجراء تحليل المخدرات للمتقدمين للوظائف شرطًا أساسيًا للتوظيف في بعض الدول، إلا إنه في جميع الأحوال يوفر مؤشرًا مهمًا حول مدى الانضباط السلوكي والأخلاقي للمرشح. بالرغم من أن البعض قد يعتبر تعاطي المخدرات أمرًا شخصيًا لا علاقة له بالعمل، إلا إنه قد يكون متعارضًا مع سياسات أو ثقافات كثير من المنشآت. في بعض الوظائف التي تتطلب التعامل مع المعدات الخطرة أو قيادة المركبات بأنواعها المختلفة يكون تحليل المخدرات أمرًا ضروريًا ضمن إجراءات السلامة والصحة المهنية للمنشآت.

المزايا: يساعد إجراء تحليل المخدرات على رفع مستوى السلامة والصحة المهنية داخل المنشأة، بالإضافة إلى الحفاظ على هامش من الانضباط الأخلاقي ضمن ثقافة المنشآت.

العيوب: يسهل التحايل على هذا النوع من الاختبارات في كثير من الأحيان، وقد يتطلب الأمر تكرار التحاليل بشكل دوري أو إجراء فحص مفاجئ للموظفين الذين يتعاملون مع الآلات والمعدات الحساسة أو يمتهنون قيادة المركبات. كذلك يمكن أن يؤثر تعاطي بعض العلاجات المصرح بها من قبل طبيب مختص إلى إعطاء نتائج غير صحيحة لتحليل المخدرات، مما قد يؤدي إلى استبعاد مرشح جيد دون مبرر حقيقي.

فحص حسابات التواصل الاجتماعي

قد يدهشك الأمر، لكن فيما ينشره الأفراد على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مؤشرات مهمة حول شخصياتهم، قد يكون المحتوى الشخصي للمرشح دالًا على مدى ملائمته لثقافة المنشأة، يمكن أن يحتوى مؤشرات هامة حول مدى نضجه، إيجابيته، وتحفيزه الذاتي وبالتالي قدرته على الإنتاج والعمل بفاعلية، وفي المقابل قد يكون المحتوى دالًا على سلوكيات مريبة أو غير سوية من شأنها الإضرار بعمل المنشأة أو بسمعتها.

يعد فحص نشاط المرشح على حسابات التواصل الاجتماعي المهني أكثر أهمية من أنواع الحسابات الأخرى، حيث يعطي مؤشرًا على مدى اهتمام المرشح بمجال عمله، وكيف يعبر عن ذلك، وكيف يقدم خبراته ومعارفه المهنية للآخرين.

المزايا: يساعد على استكشاف مدى ملائمة الشخص لثقافة المنشأة وجوانب مهمة أخرى من شخصيته قد تكون مفيدة في العمل.

العيوب: يمكن أن تؤدي بعض الآراء الشخصية التي لا علاقة لها بالعمل إلى التحيز مع أو ضد المرشح بشكل غير بناء. مثل الآراء السياسية أو الدينية.

الفحص الطبي

يمكن أن يكون الفحص الطبي قبل التوظيف للمرشحين سلاحًا ذا حدين، إذ قد يؤدي إلى التحيز ضد مرشح يعاني من مرض مزمن لا يؤثر على أداءه المهني بالضرورة، لمجرد التخوف من أنه قد يضعف أداءه المهني، مثل مرض السكري، أو ارتفاع ضغط الدم. من جهة أخرى يمكن أن يكون الفحص الطبي قبل التوظيف ضروريًا للتأكد من خلو المرشح من الأمراض المعدية، ويعد هذا النوع من الفحوص إلزاميًا في كثير من الوظائف، مثل وظائف تداول الأغذية، مصففي الشعر، والعناية الصحية، وغير ذلك.

من جهة أخرى، يمكن أن يوفر الفحص الطبي للمرشحين معلومات هامة لتوفير بيئة عمل أكثر ملائمة، مثل توفير مقاعد مريحة للموظفين الذين يعانون من إصابات حالية أو سابقة أو مشاكل في العمود الفقري على سبيل المثال، أو إمكانية توفير وسائل الإسعاف الأولي في حال تعرض المريض لوعكة مفاجئة ذات صلة بتاريخه المرضي مثل نوبات الصرع أو غيبوبة السكري أو الانخفاض المفاجئ في ضغط الدم أو غير ذلك.

المزايا: تساعد على ضمان الامتثال للمتطلبات القانونية في الوظائف التي تتطلب خلو ممارسيها من الأمراض المعدية، وكذلك تساعد على توفير بيئة عمل أكثر سلامة واستعدادًا للحالات الطارئة.

العيوب: قد تؤدي إلى التحيز ضد المرشح أو استبعاده رغم كفاءته بدون ضرورة حقيقية.

نقاط المفاضلة

يعد نظام نقاط المفاضلة من آليات التقييم التي تتبعها المؤسسات التعليمية الحكومية في المملكة العربية السعودية لتقييم المرشحين رسميًا، وذلك بناءً على معايير مثل المؤهلات، الخبرة، المهارات، أو الأداء الوظيفي السابق، وذلك لتحديد أفضل المرشحين لشغل الوظيفة بحيث يتم تحويل كل معيار إلى نقاط، ثم يتم جمعها لتحديد الترتيب النهائي للمرشحين. يهدف استخدام نقاط المفاضلة إلى تحقيق أكبر قدر من الشفافية والعدالة في عمليات التوظيف والترقية من خلال رقمنة معايير التقييم وتحويلها إلى نقاط أو درجات. يتم احتساب نقاط المفاضلة من خلال منصة مسار.

وختامًا...

تعد الإدارة الأخلاقية وتبني ثقافة أماكن العمل التي تعزز العلاقات بين الموظفين اتجاهًا متناميًا في الإدارة الحديثة. لذلك يعد فحص التوظيف بأنواعه ركنًا مهمًا مكملًا لعملية التوظيف الفعالة، لضمان تحقيق هذه الرؤية. لذلك يقع على عاتق محترفي الموارد البشرية من مسؤولي ومدراء التوظيف عبء ثقيل يتطلب تحري الدقة القصوى في اختيار المرشحين، لحماية أصول المنشأة وسمعتها وموظفيها. ليس الأمر مضيعة للوقت في الحقيقة بل هو استثمار حكيم في استقرار وأمن مؤسستك على المدى الطويل.

في هذا المقال استعرضنا 8 من الفحوصات المهمة قبل التوظيف، مع بيان ميزات وعيوب كل منها. مثل إثبات الهوية والسجل الجنائي، إلى الفحوصات الأكثر تعمقًا مثل التاريخ الائتماني وفحص وسائل التواصل الاجتماعي. بالتأكيد ليس مطلوبًا إجراء كافة هذه الأنواع معًا، ولكن من الضروري اختيار ما هو ملائم لطبيعة الوظيفة واحتياجات منشأتك، لتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن والسلامة والمواءمة الثقافية، وبين احترام خصوصية المرشح.

مدير موارد بشرية
10 دقيقة قراءة